إنّ التّلوث النّاتج عن محركات البنزين والدّيزل هو مشكلة شائعة.. ولطالما اعتقدنا، لسنوات عديدة، أنّ نسبة تلويث محركات الدّيزل أقلّ من محركات البنزين، لكننا اليوم بتنا نعلم أيهما أكثر تلوثاً.
في هذا المقال، سوف نطرحُ السّؤال الآتي ونجاوب عليه:
أيّهما يلوث أكثر محركات البنزين أم محركات الدّيزل؟ أيّهما يصدرُ عنه انبعاثات أكثر من ثاني أكسيد الكربون والجسيمات الدّقيقة وأكاسيد النّيتروجين؟
للإجابة عن هذا السّؤال، يجبُ علينا في البداية أن نحددَ نوع التّلوث الّذي نتحدث عنه،
هل هو تلوث هواء ناجم عن الجسيمات الدّقيقة أو أكاسيد النّيتروجين أو الغازات الدّفيئة؟ وهل نأخذ بالاعتبار التّلوث السّمعي؟
من المهم أن نعلم أنّ بعض المحركات قد تلوث أكثر من غيرها في أحد أنواع التّلوث، وأقلّ في أنواع أخرى.
تصدر محركات الدّيزل انبعاثات أقلّ من ثاني أكسيد الكربون والغازات الدّفيئة (GHG) :
تصدرُ محركات الديزل كميات أقلّ من ثاني أكسيد الكربون والغازات الدّفيئة مقارنة بمحركات البنزين.
ويحدث هذا بسبب نوع الوقود المحدد والكفاءة الدّاخلية لمحرك الديزل، إذ أنّ معدل انضغاط الوقود المستخدم في محركات الدّيزل أعلى منه في البنزين، كما أنه يؤدي أداء أفضل.
لذا يتمّ استخدام وقود أقلّ لقطع نفس المسافة، وهذا ما يسمحُ بتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
وكما تشير معظم التّقديرات إلى أنّ انبعاثات محركات الدّيزل أقلّ بنحو 10% من محركات البنزين لنفس الفئة.
وقد أدى هذا النّقاش إلى نشر فكرة أن السّيارات الّتي تعمل بالديزل تصدر ملوثات أقلّ من السّيارات الّتي تعمل بالبنزين.
إلّا أنّ الأمور ليست بهذه البساطة.. فإذا نظرنا إلى مصادر التّلوث الأخرى، مثل الجسيمات الدّقيقة (مثل PM10 أو PM2.5 أو NO2 أو NOx)، فإنّ البنزين هو الّذي يتفوق في الأداء.
هل تصدر محركات البنزين كمية أقلّ من الجسيمات الدّقيقة وملوثات الهواء ؟
تتميز محركات الدّيزل بأنها تتطلب كميات كبيرة من الهواء اللازم لاحتراق الوقود.
وتكمن مشكلة هذا الهواء الإضافي في أنه يسبب المزيد من التّفاعلات الكيميائيّة الّتي تطلق بدورها كميات كبيرة من ملوثات الهواء مثل No2 وأكاسيد النيتروجين والجسيمات الدّقيقة
مثل الهيدروكربونات العطريّة متعددة الحلقات والإيتان والإيتيلين.
فعندما وصلت محركات الدّيزل الأوّلى إلى الاسواق، كانت أقلّ كفاءة بكثير من محركات البنزين من حيث الجسيمات الدّقيقة.
وبعبارة أخرى، كانت تصدر جسيمات دقيقة (خاصّة أكاسيد النيتروجين) أكثر بكثير من محركات البنزين.
ومنذ ذلك الحين، قام المصنعون بتركيب مرشحات خاصّة وذلك نتيجة اعتماد معايير جديدة أكثر تقييداً للحدّ من التّلوث الّذي تسببه تلك المحركات.
ويتمّ الآن تصفية 90 حتى 99% من الجسيمات الدّقيقة بفضل هذه التّقنيات، إلّا أنّها ليس حلاً جذرياً.
وعلى الرّغم من قدرتها على تصفية كمية كبيرة من الجسيمات الدّقيقة، إلا أنّ هذه المرشحات لا يمكنها احتجاز أدق الجزيئات الّتي تنتجها محركات الدّيزل.
أظهر تقرير من الوكالة الفرنسية للغذاء والصّحة والسّلامة البيئيّة والمهنيّة ANSES أنّ تقنيات التّرشيح هذه ليست دوماً ذات تأثير إيجابي على انبعاثات أكاسيد النيتروجين
كما أكّدت الدّراسات الّتي أجراها المكتب الفيدرالي الألماني للبيئة أنّ محركات الدّيزل، وعلى الرّغم من وجود المرشحات، تلوث في الظّروف الواقعية أكثر بكثير من التّقارير الرّسمية للشركات المصنعة.
وهذا ما دفع معظم الخبراء اليوم إلى الاتفاق على أنّ محركات الدّيزل تنتج جسيمات دقيقة أكثر من محركات البنزين المكافئة.
محركات الدّيزل و البنزين، قضية تلوث معقدة
لا تزال قضية التّلوث معقدة أكثر مما ناقشناه آنفاً، وذلك لعدة أسباب:
- أوّلاً: التّطور السّريع لكل من التّقنيات المستخدمة في هذه المحركات، وكذلك المعايير الّتي تتماشى معها.
- ثانياً: اختلاف مركبات البنزين عن الدّيزل من حيث البنية والاستخدام.
فقد ذاع صيت نظام الحقن المباشر في السّنوات القليلة الماضية، إذ يستخدم هذا النّظام مضخة ترش الوقود على علبة المحرك تحت ضغط عال، وذلك لتقليل استهلاك الوقود.
إلّا أنّ مشكلة هذا النّظام أنه يزيد عدد الجسيمات الدّقيقة الملوثة في محركات البنزين، بالتالي تزداد معدلات انبعاث الجسيمات الدّقيقة في هذه المحركات كلما تطورت.
إذ بات بإمكانها أخيراً تدارك المعدلات النّظرية لانبعاثات الجسيمات الدّقيقة في محركات الدّيزل.
وقد فرضت Euro 6b في نهاية 2018 القيود ذاتها على انبعاثات الجسيمات الدّقيقة لكلا المحركين، رغم تخطي محركات الدّيزل لذلك الحدّ حسب ما أوضح موقع Dieselgate scandal.
كما وتغدو المشكلة أكثر تعقيداً نتيجة اختلاف النّماذج والاستخدامات، إذ تعدّ مركبات الدّيزل أكبر وأثقل وأكثر فعّالية، وتقطع مسافات أطول من نظيرتها الّتي تعمل بالبنزين.
و وفقا للبيانات التي نشرها على NGO Transport and Environment، تصدر محركات الدّيزل أثناء تدويرها –بمعدل وسطي- انبعاثات Co2 أكثر من محركات البنزين خلال دورة حياتها.
وفي نهاية المطاف، فإنّ تقدير أيّ المحركين يلوث أكثر لا يقتصر على نوع المحرك فحسب، بل يعتمد على نظام الحقن ونوع المركبة وفترة استخدامها ولأيّ غرض استخدمت.
ويمكن القول بأنّ محركات البنزين أقلّ تلويثاً بشكل عام، فهي تصدر معدلات أقلّ من الجسيمات الدّقيقة وانبعاثات الكربون، وذلك لأنها أصغر حجماً وتستخدم لمسافات أقصر.
إلّا أنها مشكلة معقدة إذ أنّ مستقبل الانبعاثات متضارب وغير واضح.
ولنكن واقعيين، فإنّ محركات الطّاقة البديلة كالمحرك الكهربائي هي الّتي تقللُ من انبعاثات الكربون.
ولا نغفل عن حقيقة أنه لا وجود لمحرك صديق للبيئة بنسبة 100%، وأنّ أفضل طريقة لتقليل تأثير وسائل النّقل على البيئة هي بتقليل عدد مرات استخدام الوسائل الملوثة.
- إعداد: المهندسة مريم القاسم
- تدقيق: المهندسة أسماء حمود
- تحرير: المهندس بشار الحجي