Open Hours of Mon - fri: 8am - 6pm, UAE
الثرموديناميك

ما هو القانون الأول والقانون الثاني في الثرموديناميك وما أهميتهما ؟

علمُ الثرموديناميك هو فرع من الفيزياء الّذي يدرسُ العلاقة بين الحرارة وأشكال أخرى من الطّاقة، ويركزُ بشكل خاص على انتقال الطّاقة وتحولاتها، وله مساهمة كبيرة في مجالات الهندسة الكيميائيّة والميكانيكيّة والكيمياء الفيزيائيّة والكيمياء الحيويّة.

تمّ إطلاق مصطلح “الثرموديناميك” أوّل مرة من قبل الفيزيائي الرّياضي ويليام تومسون، المعروف أيضاً باسم اللورد كيلفن، في ورقته البحثيّة حول النّظرية الحركيّة للحرارة عام (1854).

يرتكزُ علم الثرموديناميك الحديث على أربعة قوانين:

  • القانون الصّفر: ينصُّ على أنّ نظامين ترموديناميكيين مستقلان في حالة توازن حراريّ مع نظام ثالث (أيّ لا يوجد تدفق للطاقة الحراريّة بينهما)، فهما أيضاً في حالة توازن حراريّ مع بعضها البعض.
  • القانون الأوّل في الثرموديناميك: يعرفُ أيضاً بقانون “مصونية الطّاقة”، وينصُّ على أنّ الطّاقة لا تفنى ولا تخلق من العدم، ولكنها تتحولُ أو تنتقلُ من شكل إلى آخر.
  • القانون الثّاني: يؤكّد أنّ إنتروبية النّظام المعزول تزيدُ دائماً بمرور الوقت.
  • القانون الثّالث: ينصُّ على أنّ إنتروبية أيّ نظام تقاربُ قيمة ثابتة عندما تقارب درجة الحرارة الصّفر المطلق.

سنركز في هذا المقال على القانونين الأوّل والثّاني في التّرموديناميك

يعرفُ القانون الأوّل بقانون مصونية الطّاقة ، وبالنظر إلى  أنّ الطّاقة لا تفنى ولا تخلق من العدم، وإنّما تتحولُ من شكل إلى آخر..

فإنّ الطّاقة الإجماليّة لنظام معزول ستكون دائماً ثابتة لأنه إمّا يمكن تحويلها إلى شكل آخر من أشكال الطّاقة أو يتمّ نقلها إلى مكان آخر في النّظام.

ويصاغ القانون الأوّل كالتالي:

  δU = Q – W

  •  حيث δU هو التّغيير في الطّاقة الدّاخلية U للنظام.
  •  Q هو  مجمل الحرارة المنقولة في النّظام (مجموع كلّ عمليات النّقل الحراريّة للنظام).
  •  W يمثل العمل الّذي أنجزه النّظام.

يقدمُ القانون الثّاني مفهوم الإنتروبية في الثرموديناميك ،  وتعدّ الإنتروبية خاصية فيزيائية  تقيسُ كمية الطّاقة الحراريّة في نظام غير متاح ليقومَ بعمل مفيد.

فالطاقة الّتي لا تستطيع القيام بالعمل تتحولُ إلى حرارة، وستزيدُ الحرارة من الاضطراب الجزيئي للنظام.. ويمكن أن تعتبر الانتروبية أيضاً مقياساً  للاضطراب.

ينصُّ القانون الثّاني في الثرموديناميك على أنّ الإنتروبية في تزايد بشكل دائم، وذلك لأنه في أيّ نظام معزول، هناك دائماً كمية معينة من الطّاقة لا تقوم بعمل.

وبالتّالي، سيتمّ دائماً إنتاج الحرارة،  وهذا ما يزيد بشكل طبيعي من إنتروبية (اضطراب) النّظام.

تساوي الإنتروبية المتزايدة (δS) الحرارة المنقولة (δQ) مقسومة على درجة الحرارة (T). ويصاغ القانون الثّاني كالتالي:

 δS =δQ / T

 من هو مكتشف قوانين الثرموديناميك ؟

 كما ذكرنا سابقاً، إنّ القانون الأوّل من الثرموديناميك يتعلقُ بقانون مصونية الطّاقة، الّذي عبّر عنه “يوليوس روبرت ماير” لأوّل مرة عام 1842.

أدركَ ماير أنّ أيّ رد فعل كيميائي ينتجُ عنه حرارة وعمل، ويمكن أن ينتجَ هذا العمل بدوره كمية محددة من الحرارة.

وعلى الرّغم من أنّ هذا هو أساس قانون مصونية الطّاقة، إلّا أنّ ماير لم يكن جزء من المؤسسة العلميّة، لذلك تمّ تجاهل عمله لعدة أعوام.

في المقابل، فقد كان لكلّ من الفيزيائي الألماني “رودولف كلاوسيوس”، وعالم الرّياضيّات الأيرلندي “وليام تومسون” (اللّورد كيلفن)، والمهندس الميكانيكي الاسكتلندي “ويليام رانكين” دور أكبر في تطوير علم التّرموديناميك،  وملائمة قانون مصونية الطّاقة مع العمليات التّرموديناميكيّة.

وترجعُ أصول القانون الثّاني للثرموديناميك لعمل المهندس الميكانيكي الفرنسي “نيكولا ليونارد سادي كارنوت”، الّذي درسَ محركات البخار، وغالباً ما يعتبرُ مؤسس علم التّرموديناميك بسبب كتابه “تأملات حول القوة المحركة للنار”

Reflections on the Motive Power of Fire (1824)،

والّذي قدم فيه مناقشة نظريّة للمحرك الحراري المثالي (ولكن غير القابل للتحقيق)، إذ تمثلُ “قوة الدّافع” بما نسميه العمل في وقتنا الحالي، وتمثلُ “النّار” الحرارة.

 كما قدم سادي كارنوت تقرير أوّلي عن القانون الثّاني للترموديناميك،  والّذي تمّ إعادة صياغته من قبل رودولف كلاوسيوس بعد مرور أربعين عاماً.

ساهمَ علماء آخرون أيضاً في تعريف ذلك القانون:

  • اللورد كيلفن  (1851).
  • عالم الرّياضيّات الألماني ماكس بلانك (1897).
  • عالم الرّياضيّات اليوناني كونستانتين كاراتيودوري (1909).

وفقاً للباحث في العلوم الحراريّة “جيارامان سرينيفاسان”، فقد مثّل اكتشاف القانونين الأوّل والثّاني في الثرموديناميك  نقلة ثوريّة في الفيزياء في القرن التّاسع عشر.

وفي بداية القرن العشرين، تمّ تطوير القانون الثّالث في التّرموديناميك من قبل الكيميائي الألماني “والتر نيرنيست”.

وأوضحَ أنّ أقصى عمل يمكن الحصول عليه يمكننا حسابه من الحرارة النّاتجة عند درجات الحرارة القريبة من الصّفر المطلق.

كما دُرسَ القانون الصّفر في التّرموديناميك منذ عام 1870، ولكن تمّ تعريفه على أنه قانون منفصل خلال القرن العشرين.

كيف يرتبطُ القانونان الأوّل والثّاني في الثرموديناميك ؟

القانونان مستقلان عن بعضها البعض لأن قانون الإنتروبية غير مشتق أو مستنتج مباشرة من قانون مصونية الطّاقة أو العكس.

 وفي الوقت نفسه، يكملان  بعضهما البعض لأن القانون الأوّل يشملُ انتقال الطّاقة أو تحولها، بينما يشملُ القانون الثّاني اتجاه التّغيرات الفيزيائيّة – كيف تنتقلُ إنتروبية الأنظمة المعزولة أو المغلقة من قيمة منخفضة لقيمة أعلى نظراً لوجود طاقة لا تنجزُ عملاً.

وبمعنى آخر، يأخذُ القانون الثّاني في الاعتبار حقيقة أن تحولَ الطّاقة الموضح في القانون الأوّل يطلقُ دائماً بعض الطّاقة الإضافية “عديمة الفائدة” الّتي لا يمكن تحويلها إلى عمل.

ما هي أهميةُ القانونين الأوّل والثّاني في الثرموديناميك ؟

تشرحُ قوانين الفيزياء كيف تعملُ الظّواهر الطّبيعية والآلات، وهذه التّفسيرات لا ترضي فضولنا فحسب، بل تتيحُ لنا أيضاً التّنبؤ بالظواهر، كما تساهمُ بتصنيع آلات فعّالة.

فإذا كنا نعرفُ مقدار الطّاقة الموجودة في النّظام الّتي يمكن استخدامها للعمل، والكمية الّتي ستتحولُ إلى حرارة (وهناك دائماً كمية معينة من الطّاقة “عديمة الفائدة” في النّظام)

يمكننا بذلك التّنبؤ بكمية الحرارة الّتي ستنتجها الآلة في ظروف مختلفة.. ثمّ نقرر بعدها ما يجب القيام به بتلك الحرارة.

فالحرارة شكل من أشكال الطّاقة، وإذا أدركنا أنّ الطّاقة لا تفنى وإنما تتحولُ فقط، فمن الممكن أن نجدَ طريقة لتحويل هذه الطّاقة الحراريّة إلى طاقة ميكانيكيّة، وهذا ما تقومُ به المحركات الحراريّة.

وبالنّظر إلى التّطبيقات الأساسيّة للقانونين الأوّل والثّاني في التّرموديناميك، يمكننا أن نتخيلَ مدى فائدتها في المجال الهندسي.

يمكن تطبيق هذين القانونين في الكيمياء، علم الكونيات (حيث تتوقع الإنتروبية التّبدد الحراريّ للكون)، العلوم الجويّة، علم الأحياء (حيث تحولُ النّباتات الطّاقة الإشعاعيّة إلى طاقة كيميائيّة أثناء التّركيب الضّوئي)، والعديد من المجالات الأخرى… وهنا تكمنُ أهمية التّرموديناميك.

هل يمكننا مخالفة هذين القانونين ؟

لمخالفة القانونيين يتوجبُ علينا إنشاء آلة “ذات حركة دائمة” تعملُ بشكل مستمر دون الحاجة لأيّ نوع من الطّاقة، وهذا الخيار غير موجود.

إذ تتلقى جميع الأجهزة الّتي نعرفها الطّاقة من مصدر ما (حراري، ميكانيكي، كهربائي، كيميائي..)، ثمّ تحوله إلى شكل آخر من أشكال الطّاقة.. على سبيل المثال، تحول محركات البخار الطّاقة الحراريّة إلى طاقة ميكانيكيّة.

وكي نخالفَ القانون الأوّل في الثرموديناميك، علينا أن نعيدَ تخيل الحياة نفسها، فالكائنات الحيّة منسجمة مع قانون مصونية الطّاقة، إذ تستخدمُ النّباتات عملية التّركيب الضّوئي لتصنع الطّعام (أيّ الطّاقة الكيميائيّة الّتي تحتاجها).

كما تأكلُ الحيوانات والبشر ليبقوا على قيد الحياة، ويعدّ الأكل استخراجاً للطاقة من الطّعام وتحويله إلى طاقة كيميائيّة (يخزنُ على شكل غلوكوز)، وهو ما يعطينا بالفعل “الطّاقة”.

ونحن بدورنا نحولُ هذه الطّاقة الكيميائيّة إمّا إلى طاقة ميكانيكيّة عندما نتحرك، أو إلى طاقة حراريّة عندما نضبط درجة حرارة جسمنا.

إلّا أنّ الأمور قد تكون مختلفة بعض الشّيء في العالم الكمومي.

 ففي عام 2002، أظهر علماء الفيزياء الكيميائيّة في الجامعة الوطنيّة الأسترالية في كانبيرا  أنّ القانون الثّاني في الثرموديناميك يمكن أن يتمّ مخالفته لفترة وجيزة عند النّطاق الذّري.

حيث وضعَ العلماء حبات اللاتكس في الماء وحاصروها بشعاع ليزر دقيق، ومن خلال القياس المنتظم لحركة الحبات و إنتروبية النّظام، فقد لاحظوا أنّ تغير الإنتروبية كان سالباً على فترات زمنيّة من أعشار الثّانية.

وفي الآونة الأخيرة، أنشأ الباحثون – من ضمنهم بعض العاملين على معالج جوجل الكمومي “Sycamore”، بلورات زمنيّة، وهي خارج مرحلة التّوازن من المادة الّتي تدورُ بشكل غير محدد بين حالتي طاقة دون أن تفقدَ البيئة أيّ طاقة.

فهذه الجسيمات النّانوية لا تصلُ أبداً إلى التّوازن الحراريّ، وإنّما تشكلُ نظاماً كميّاً لا تزيد إنتروبيته، وهذا يخالفُ القانون الثّاني للترموديناميك.

ويعدّ هذا إثباتاً حقيقياً لما قاله ماكسويل، أيّ فكرة تجربة لمخالفة القانون الثّاني والّتي اقترحها عالم الرّياضيّات الاسكتلندي “جيمس كيرك ماكسويل” في عام 1867.

وتقومُ التّجربة بوضع متصور demon في وسط غرفتين من الغاز، ويتحكمُ المتصور بباب عديم الكتلة يسمحُ للغرفتين بتبادل جزيئات الغاز.

ولكن بالنظر إلى أنّ المتصور فتح وأغلق الباب بسرعة، مما يتيح للجزيئات سريعة الحركة أن تمرَ في اتجاه واحد، و الجزيئات البطيئة تتحرك في الاتجاه الآخر.

بهذه الطّريقة، يتمّ تسخين غرفة واحدة وتبريد الثّانية، مما يقللُ من الإنتروبية الكليّة للغازين دون أن ينطوي ذلك على عمل.

على الرّغم من أننا لا نزال لا نعرف بالضبط كيفية استخدام البلورات الزّمنيّة، إذ تعدّ اكتشافاً ثورياً في فيزياء المادة، وقد تحسنُ هذه البلورات -على الأقلّ-  تقنية الحوسبة الكموميّة بشكل كبير.

بالنسبة لمفهوم “الحركة الدّائمة دون استخدام أيّ طاقة”، فإنه سيقود الآراء المستقبليّة لتخيل أجهزة كموميّة ذات حركة دائمة دون الحاجة للتزود بالطاقة

مثل براد غير موصول بالطاقة ولا يزال قادراً على تبريد الطّعام أو حاسوباً خارقاً يحتملُ المحاكاة التي قد نعيشها!

  • إعداد: المهندسة مريم القاسم
  • تدقيق: المهندسة أسماء حمود
  • تحرير: المهندس بشار الحجي