على الرغم من التطورات التقنية الحديثة يبقى الخشب واحداً من أكثر مواد البناء استخداماً وموثوقية، كونه متين ورخيص وقابل لإعادة الاستخدام.
إلا انه من المتوقع زيادة استخدام الخشب بعد تمكّن علماء من صنع خشب شفاف باستعمال تقنية يعتقد انه من السهل تطويرها .
تعتبر أخشاب الأشجار مادة قديمة يستخدمها الإنسان منذ ملايين السنين لبناء المساكن والسفن ومصدر لوقود التدفئة، كما أنها مصدر مهم لتنقية الهواء من غاز ثاني أكسيد الكربون الزائد في الغلاف الجوي للأرض.
والخشب عبارة عن مادة خلوية ذات جدران خلوية ، تتكون بشكل رئيسي من السيليلوز والهيمي سيليلوز واللجنين ( الخشبين ).
يتم اليوم إنتاج المكون الرئيسي للخشب وهو – السليلوز – سنويًا بحجم يبلغ 20 ضعف حجم الفولاذ المُنتج .
وكما هو معروف أنه لم يسبق أن تم استخدام الخشب لصناعة النوافذ لأنه لا يتسم بالشفافية لذلك يُستعاض عنه بالزجاج والبلاستيك اللذين يتسمان بالشفافية ويوفران الدعم الهيكلي عند تقويتهما بشكل جيد.
وعلى الرغم أنه يمكن للضوء النافذ عبر الزجاج أو البلاستيك أن يؤمن بعض الحرارة لكنه ليس عازلاً جيداً.
لهذا السبب يتم استخدام الزجاج المزدوج. على عكس الخشب الذي يكون عازل تماما ولكنه غير شفاف للضوء .
هل من الممكن إنتاج خشب شفاف للضوء يكون بديلاً للزجاج ؟
في السنوات الأخيرة بدأ العلماء بالبحث عن دراسات حديثة من شأنها جعل الخشب شفافاً.
إن جعل الخشب شفافاً والاحتفاظ بخصائصه الميكانيكية العالية من شأنه أن يوفر بديلاً جيداً للزجاج من مورد منخفض التكلفة ومتوفر بكثرة ومتجدد .
كانت الدراسات السابقة التي هدفت لإنتاج خشب شفاف تعتمد على الطاقة الكثيفة وتستخدم مواد كيميائية ضارة ، ولكن أثبتت دراسة حديثة امكانية جعل الخشب شفافاً دون استخدام كميات هائلة من الطاقة.
شفافية الخشب
يأتي افتقار الخشب للشفافية من ارتباط مكونين رئيسيين هما السليلوز واللجنين، يمتص اللجنين الضوء وتقوم المركبات حاملات اللون ( الكروموفور ) – المركبات المنشطة بالضوء – في الخشب بإعطائه لوناً بنياً.
تتكون الألياف في الخشب بشكل رئيسي من السيليلوز وتبدو على شكل أنابيب مجوّفة، يعمل الهواء الموجود في هذه الأنابيب المجوفة على تشتيت الضوء النافذ إليها مما يقلل من شفافية الخشب بشكل كبير.
اشتملت الدراسات السابقة على جعل الخشب شفافاً من خلال إزالة اللجنين تماماً من الهيكل واستبداله بمادة راتنجية، لكن عملية إزالة اللجنين تتطلب الكثير من المواد الكيميائية الضارة بيئياً
كما أنها تقلل بشكل كبير من الخصائص الميكانيكية للمادة وتجعلها أضعف ميكانيكياً.
أوضح باحثون من جامعة ماريلاند في دراسة حديثة إمكانية جعل الخشب شفافاً باستخدام مادة كيميائية بسيطة وهي – بيروكسيد الهيدروجين – التي تستخدم عادة لتبييض الشعر.
تعمل هذه المادة الكيميائية على تعديل حاملات اللون ( الكروموفور ) وتغيير هيكلها بحيث لا تقوم بامتصاص الضوء وتلوين الخشب باللون البني.
تستخدم هذه المادة من خلال رشّها الكيميائية على الخشب ومن ثم تنشيطها باستخدام الضوء لإنتاج مادة بيضاء لامعة – يمكن أن نسميها الخشب الأشقر.
يعتبر التفاعل الكيميائي للخشب مع بيروكسيد الهيدروجين من التفاعلات الشهيرة للخشب إذ أنه أساس تبييض الخشب المستخدم في صناعة الورق وهو مايجعل الورق ناصع البياض.
ومن الأسباب أيضاً لبياض الورق هو أن المسامات في هيكلها تبعثر الضوء تماماً مثل ألياف السليلوز المجوفة في الخشب.
إن ملء هذه الألياف بالراتنج يؤدي إلى تقليل هذا التشتت والسماح بمرور الضوء عبر الخشب وجعله شفافًا ، مع الاحتفاظ بخائصه الميكانيكية الأصلية.
النوافذ الخشبية
هذا التطور المثير للغاية يستخدم تفاعلات كيميائية معروفة لبيروكسيد الهيدروجين مع اللجنين، كما يمكن أيضاً تطبيق هذا التفاعل على قطع كبيرة من المواد
وبالتالي إنتاج مواد بناء شفافة توفر بديلاً حقيقياً لاستبدال الزجاج.
نظراً لرشّ المادة الكيميائية على الخشب فمن الممكن إضافة تأثيرات زخرفية وتزينية إلى المادة، مما يسمح بصنع ألواح من الخشب شائعة للتطبيق في المنازل الداخلية مع امكانية توفير عزل إضافي أيضاً .
ويُذكر أن النوافذ المصنوعة من هذا الخشب الشفاف أكثر مقاومة للكسر من ألواح الزجاج إضافة كونها شفافة بشكل جيد .
لا تزال الأبحاث قائمة للعمل على تحسين التفاعل مع الخشب ودمجه في عملية مؤتمتة ضناعياً، ولكن يبقى الأمل بالعلم كبيراً..
يوماً ما قد تكون جالساً في المنزل أو تعمل في شركة تزينها النوافذ الخشبية الشفافة.
- إعداد: المهندسة ساره السلوم
- تحرير: المهندس بشار الحجي