Open Hours of Mon - fri: 8am - 6pm, UAE
الطابعة

كيف يتمكن المهندسون من طباعة القلوب والعقول وزراعتها في الكائنات الحية !

لا يزال تأثير الطباعة ثلاثية الأبعاد مستمر ليشمل كل الصناعات الرئيسية في أنحاء العالم وليس فقط صناعة الرعاية الصحية، والتي كان لها النصيب الأكبر من الاهتمام في ظل جائحة فيروس كورونا الأخير

استخدم المهندسون الطابعات لتطوير طرق تصنيع معدات الوقاية الشخصية، والمعدات الطبية، وأيضاً الهياكل المؤقتة للأشخاص الذين يعزلون أنفسهم.

بالإضافة إلى قيام شركات الطباعة ثلاثية الأبعاد الرائدة مثل Carbon و Prusa Research و Formlabs بطباعة الواقيات والأقنعة للوجه، وكذلك أدوات المستشفى المهمة لمتخصصي الرعاية الصحية.

ويُشير كل ذلك إلى جهود مجتمع الطباعة ثلاثية الأبعاد المبذولة لإمداد الحكومات بالمعدات الضرورية وتخفيف الضغط عليها.

كما تعد الطباعة ثلاثية الأبعاد بتحسين واقع صناعة الرعاية الصحية من خلال تقديم منتجات مثل الأدوية الأكثر ذكاءً والأطراف الصناعية المطلوبة بشدة

بالإضافة إلى طباعة أعضاء بشرية ثلاثية الأبعاد مما سيعالج النقص في الأعضاء المانحة حول العالم وخاصة الولايات المتحدة.

دور الأعضاء المطبوعة ثلاثية الأبعاد في إنقاذ حياة الناس

نظراً للطلب الهائل على الأعضاء المانحة، تُشير التقديرات إلى أن استخدام الأعضاء المطبوعة ثلاثية الأبعاد يمكنه منع 900.000 حالة وفاة في الولايات المتحدة الأمريكية فقط.

حيث يوجد كل يوم في الولايات المتحدة الأمريكية 113.000 رجل وامرأة وطفل على قائمة انتظار الزرع الوطنية، وللأسف يموت كل يوم 20 شخص وسطياً في انتظار دورهم بينما يتم إضافة شخص جديد إلى قائمة الانتظار كل 10 دقائق.

وفي هذا السياق، لابد من الإشادة بأهمية الأعضاء المطبوعة ثلاثية الأبعاد لتكون حلاً قابلاً للتطبيق لهذه المشكلة، بالإضافة إلى كونها فعالة للغاية من حيث التكلفة.

على سبيل المثال، وفقاً لمؤسسة National Foundation for Transplants فإن تكلفة العملية الأساسية لزرع الكلى تزيد وسطياً عن 300.000 دولار

في حين أن الطابعة الحيوية ثلاثية الأبعاد المستخدمة لإنشاء أعضاء مطبوعة ثلاثية الأبعاد يمكن أن تكلف أقل من 10.000 دولار ومن المتوقع كذلك انخفاض التكاليف مع تطور التكنولوجيا خلال السنوات القادمة.

وهذا هو أحد الأسباب العديدة التي تجعل المهندسين الطبيين والباحثين متحمسين لعصر الأعضاء المطبوعة ثلاثية الأبعاد.

لذا سيتم تسليط الضوء في هذا المقال على مبدأ عمل والتحديات المحتملة لهذا الإجراء الثوري الجديد

A 3D printed heart created by Rice University. Source: Rice University

ماهي الطباعة الحيوية ثلاثية الأبعاد

تُعرف عملية طباعة الأعضاء بشكل ثلاثي الأبعاد باسم الطباعة الحيوية ثلاثية الأبعاد، كما تسمى المنتجات النهائية (الأعضاء) لهذه العملية باسم الأعضاء المُهندَسة.

وتتضمن هذه العملية استخدام الخلايا وعوامل النمو لإنشاء تراكيب شبيهة بالأنسجة لتشكل فيما بعد الأعضاء.

تشبه هذه العملية في مبدأ عملها جميع الصناعات المضافة الأخرى مثل الطابعة القياسية المستخدمة لنمذجة الترسب المنصهر (FDM) والتي يتم فيها ترسيب مادة خام كالبلاستيك الحراري على شكل طبقات متراصة فوق بعضها لتصميم المجسم الذي سيُطبع بشكل ثلاثي الأبعاد.

وإن أول شيء يجب القيام به عندما نريد طباعة شيء ما ثلاثي الأبعاد، هو إنشاء نموذج رقمي، والذي يتم طباعته بعد ذلك كمنتج مادي، طبقة تلو الأخرى.

تماماً مثل طريقة تصنيع اللدائن الحرارية، ونظراً لكون الطابعات الحيوية تستخدم خلايا معقمة، فإنه يجب تحضير دقة الطباعة (ارتفاع الطبقة) وهيكل المصفوفة بشكل مختلف عن استخدام اللدائن الحرارية.

كما أنها أكثر عرضة للكسر، وتتشابه إلى حد كبير قبل الإنتاج وبعده مع الطباعة بالتّبلمر الضوئي SLA والتي يتم فيها طباعة مجسمات بشكل ثلاثي الأبعاد تم تصميمها باستخدام بوليمر غالباً الراتنج السائل والذي يتصلب عند تعرضه لأشعة ضوئية مركزة أو أشعة ليزر فوق بنفسجية.

أمّا بالنسبة للنموذج الرقمي المستخدم في الطباعة يقوم الباحثون بإنتاجه من خلال استخدامهم لأجهزة التصوير المقطعي المحوسب أو الرنين المغناطيسي، ثم يتم تحضير الطابعات وتعقيمها.

وبعد ذلك، يرُسل النموذج الرقمي إلى الطابعة، ثم يستخدم الباحثون السائل الحيوي وهو عبارة عن قطع من الخلايا الحيوية ليتم طباعة هياكلها.

حيث يتم وضعه في خرطوشة الطابعة تماماً مثل الفتيل ويُستخدم لإنشاء نموذج مادي ثلاثي الأبعاد وبعد اكتمال الطباعة و كخطوة أخيرة خلال مرحلة ما بعد الإنتاج يقوم الباحثون بتحفيز العضو المطبوع ميكانيكياً وكيميائياً للتأكد من فعاليته.

الحبر الحيوي وهو ” الخيط ” المستخدم في الطابعات الحيوية

يحتاج العلماء لطباعة عضو ما بشكل ثلاثي الأبعاد إلى تأمين خلايا نوعية خاصة بالعضو المراد تصنيعه، على سبيل المثال لإنشاء الكبد يلزم تأمين خلايا كبدية أولية بالإضافة إلى خلايا أخرى داعمة.

وعند طباعة هذه الخلايا يتم تكديسها على الهيكل لتنغرس في مصفوفة داعمة من الميكرو جيل (سقالة) تأخذ شكل العضو.

وقد يستخدم العلماء أيضاً حبراً حيوياً مكوناً من خلايا جذعية يمكنها أن تتمايز إلى الخلايا المستهدفة المرغوبة.

والجدير بالذكر، أنه في الكثير من الأحيان يتم رفض العضو المزروع لذا لابد لنا من التركيز على مفهوم التوافق الحيوي.

فمن الطرق التي توفر التوافق الحيوي مع العضو المزروع أن تكون الخلايا الحية المكوّنة للحبر الحيوي مأخوذة من جسم المريض نفسه الذي يحتاج زراعة العضو.

Source: All3DP

مراحل طباعة الأعضاء

يقوم الباحثون أولاً بطباعة سقالة ثلاثية الأبعاد مصنوعة من بوليمرات أو كولاجين قابل للتحلل تم تصميمها سابقاً كنموذج رقمي دقيق باستخدام برنامج التصميم بمساعدة الحاسب CAD

الهدف من طباعتها هو توفير سطحاً مؤقتاً لتلتصق عليه الخلايا التي يتم الحصول عليها بأخذ خزعة من عضو المريض، ثم يتم زراعة هذه الخلايا في بيئة زرع مخصصة لهذا الغرض حتى تتوفر بشكل كافي لتغطية السقالة.

بعد ذلك يتم غرس هذه الخلايا ضمن السقالة يدوياً، وبمجرد أن تنمو الخلايا وتنظم نفسها، وتتحول إلى عضو فعال، يتم زراعة العضو في جسم المريض وتحلل السقالة فيما بعد.

كما يمكن طباعة أعضاء أكثر تعقيداً بدون سقالة، وللقيام بذلك يستعين الأطباء مرة أخرى بفحوصات التصوير المقطعي المحوسب والتصوير بالرنين المغناطيسي بالإضافة إلى البيانات الطبية للمريض لبناء نموذج شريحة لعضو المريض

ثم يُطبع هذا النموذج باستخدام الحبر الحيوي والجيل البوليميري، وبمجرد اكتمال العضو يتم وضعه في حاضنة للسماح للخلايا بالتنظيم والاندماج معاً حتى يصبح عضو فعال جاهز للزراعة.

وعلى الرغم من فعالية هذه التكنولوجيا في توفير الأعضاء الحيوية المطبوعة إلا أن هناك عثرة تقع في طريق نجاحها وهي تدفق الدم إلى العضو حيث لم يتمكن العلماء حتى الآن من طباعة شعيرات دموية بالدقة الكافية التي يحتاجها العضو السليم.

أهم الإنجازات في مجال طباعة الأعضاء الحيوية ثلاثية الأبعاد

قام فريق من المهندسين من جامعة بوهانج للعلوم والتكنولوجيا في عام 2017  بتطوير وطباعة ” أوعية دموية حيوية ” بشكل ثلاثي الأبعاد باستخدام خلايا حيوية مستخلصة من جسم الإنسان كنموذج لهذه العملية وقد أثبتت فعاليتها دون أي مشاكل تُذكر.

في حين طور باحثون من جامعة هارفارد، قبل عام واحد فقط نوعاً جديداً من الحبر الحيوي مخصصاً لبناء نسيج الكلى، مما يسمح لفريق الباحثين بإعادة تكوين أجزاء حيوية من الكلية.

كما أعلن فريق من شركة Organova الناشئة للطباعة الحيوية في سان دييغو، عن إمكانية طباعة قطع صغيرة من خلايا الكبد البشري وزرعها في الفئران والتي ستبصر النور في مطلع العام المقبل.

وفي ضوء هذه الإنجازات المثيرة يتّضح لنا أن فكرة الطباعة الحيوية للأعضاء البشرية لم تعد فكرة بعيدة المنال.

 وخير مثال على ذلك، ابتكار أول نموذج رقمي ثلاثي الأبعاد كامل الحجم للقلب البشري وطباعته من قبل باحثون من جامعة كارنيجي ميلون

وذلك باستخدام تقنية التضمين الحر العكسي للهيدروجيلات المعلقة (FRESH) والتي يعتمد مبدؤها بشكل أساسي على استخدام إبرة لحقن الحبر الحيوي في حمام من الهيدروجيل الناعم والذي سيدعم القلب الاصطناعي عند طباعته.

تسمح هذه التقنية بإنشاء ميزات وخصائص معقدة للأعضاء حيث يمكن استخدام مثل هذه الأعضاء لتعليم كلاً من الجراحين والمرضى وتثقيفهم حول بنية القلب.

لا تزال تقنية الطباعة الحيوية غير مكتملة

لا شك أن الأنسجة والأعضاء المُهندسة قد أثبتت فعاليتها في مجال الرعاية الصحية، إلّا أنه لايزال أمام هذه التكنولوجيا أشواطاً طويلة لتقطعها قبل تطبيقها بشكل نهائي في المستشفيات.

حيث يوجد الكثير من العقبات الواضحة التي تحتاج التغلب عليها والتي تتمثل بما يلي:

 أولاً: يجب أن تصبح الطباعة الحيوية أسرع وأكثر دقة، فطباعة عضو ثلاثي الأبعاد في غضون ساعات أو دقائق سيجعل منها تقنية جذابة أكثر من الناحية التجارية.

وفي الوقت نفسه ستسمح الدقة الأعلى بتفاعل وتحكم أفضل في البيئة الدقيقة ثلاثية الأبعاد مما يؤدي إلى إنشاء النماذج الدقيقة اللازمة لتطوير أعضاء صحية وفعالة.

وثانياً: يجب توفير مواد حيوية أكثر تنوعاً للعمل معها، فاستخدام مواد حيوية مختلفة سيقودنا في المقابل للتعامل مع مهام مختلفة.

حيث تعاني تكنولوجيا الطباعة الحيوية ثلاثية الابعاد هذه الأيام من نقص في أنواع الحبر الحيوي المستخدم في الطباعة تماماً كما هو الحال في نقص الخيوط المستخدمة في الطابعات FDM و SLA. وبالتالي استخدام أنواع معقدة ومتنوعة من الحبر الحيوي سيفتح الباب لطباعة جميع أنواع الأنسجة الطبية التي قد يحتاجها الإنسان.

ختاماً

تعدنا هذه التكنولوجيا مستقبلاً بإنقاذ ملايين الأرواح حول العالم، وستساعد المنافسة المتزايدة في القطاع الخاص على تسريع الابتكار اللازم لجعل الطباعة ثلاثية الأبعاد قابلة للتطبيق.

  • إعداد: المهندسة سهى عبدو
  • تحرير: المهندس بشار الحجي

اترك تعليقاً