أصبحت المباني في جميع أنحاء العالم جزءاً من المناظر الطبيعية المحيطة بنا، وقد تطورت تصاميمها على مدى آلاف السنين من الهياكل الأساسية المقاومة للجاذبية إلى ناطحات السحاب الغير قابلة للتدمير تقريباً والتي تشكل خط الأفق للمدن الحديثة.
واليوم، نعتمد على هذه المباني لإيوائنا من مختلف الظروف الجوية والكوارث الطبيعية، وهذا بفضل عمل المهندسين الذين قاموا بتصميمها…
لكن هل تساءلت يوماً عن كيفية تصميم المباني ؟
المبنى من منظور المهندس الإنشتئي ماهو إلا عبارة عن آلية لإدارة الأحمال، أما لفهم كيفية بناء المبنى، يجب أن نعرف جميع القوى المؤثرة في المبنى، أو الأحمال التي تعمل ضده، ولإبقائه ثابتاً ومستقيماً، يجب أن يكون المبنى قادراً على مقاومة مختلف أنواع الأحمال مثل:
أحمال الجاذبية
تمنع مقاومة أحمال الجاذبية الهيكل من الانهيار تحت وزنها، وتشمل هذه الفئة كلاً من الأحمال الميتة والحية.
تعرف الأحمال الميتة بأنها وزن الهيكل وباقي مكونات المبنى، حيث يحدد المهندسون هذه الأحمال من خلال حساب وزن مواد البناء وكميتها.
ونظراً لأن العناصر الهيكلية والإنشائية نادراً ما تخضع لتغييرات كبيرة بعد اكتمالها، فإن الأحمال الميتة تعتبر ثابتة، ولكن على الرغم من الطبيعة الثابتة والدائمة لهذه الأحمال
يطبق المهندسون عامل أمان، وذلك لحساب التعديلات المستقبلية التي قد تضيف وزناً إلى الهيكل.
أما الأحمال الحية فهي تمثل أي شيء يؤثر في المبنى عدا وزنه الذاتي، مثل الأشخاص والأثاث والمعدات، ويمكن توزيعها بشكل موحد على مساحة كبيرة
مثل القطع الكبيرة من الآلات، أو يمكن أن تتركز على مساحة صغيرة، يتم تحديد هذه الأحمال عادةً حسب نوع إشغال المبنى (سكني، تجاري، صناعي…).
غالباً ما تكون الأحمال الحية ديناميكية، إلا أنها في بعض الأحيان تخلق نبضات أو موجات حركية قصيرة تؤثر على الهيكل، ولهذا يفترض المهندسون أن هذه الأحمال موجودة في كل مكان في المبنى، ويقومون بتصميم الهيكل وفقاً لذلك.
لمقاومة أحمال الجاذبية وإنجاز العمل على النحو المنشود، يجب أن يتكون هيكل المبنى من مجموعة من العناصر التي تدعم بشكل مناسب كلاً من الأحمال الميتة والحية، ويتكون الهيكل النموذجي من أجزاء أفقية ورأسية متصلة ببعضها بعناصر وصل مختلفة، أهمها:
الأجزاء الهيكلية الأفقية / عناصر نقل الحمولة الأفقية
تشمل الأجزاء الأفقية للهيكل، على سبيل المثال لا الحصر، الجوائز والعوارض والألواح، وتدعم هذه العناصر أحمال المبنى الميتة والحية ويمكن استخدامها في مختلف التكوينات
ففي البناء السكني ذو الإطارات الخشبية، يتكون هيكل الأرضية من عدد من الجوائز التي تستقر على الألواح المشكلة للعتبات الرئيسية التي ترتكز عليها الجدران الخارجية والداخلية الأساسية.
عندما تمتد الجوائز لمسافة طويلة تستخدم عوارض عمودية لزيادة الدعم، وتكون إما بشكل حزم مستمرة أو بشكل عوارض متدلية (يتم إسقاطها سفل الإطار).
في المباني الخرسانية والفولاذية، عادةً ما يتم وضع تشطيبات الأرضيات فوق الألواح الخرسانية المسلحة، والتي يتم دعمها بواسطة عوارض.
يجب أن تتمتع الألواح والجوائز والعوارض بمقاومة ضغط وشد جيدة لتحمل كافة أنواع الأحمال التي يفرضها المستخدمون والأثاث والمعدات وأوزانهم
بحيث تتلقى دعامات وأعمدة الهيكل هذه الأحمال في نقاط اتصالها وتقوم بنقل الحمل إلى الأساس.
الأجزاء الهيكلية الرأسية / عناصر نقل الحمولة الشاقولية
العناصر الشاقولية هي العناصر المسؤولة عن نقل حمولة وزن السقف ووزن الطوابق إلى الأساس أدناه، وذلك اعتماداً على نوع المبنى، وتشتمل هذه العناصر على الأعمدة والقواعد والجدران الخرسانية
كما يجب أن تتمتع هذه العناصر بمقاومة ضغط عالية لتتحمل وزن المبنى والقوى الأخرى المفروضة على هذه العناصر.
في البناء السكني ذو الإطارات الخشبية، تشكل الجدران الخارجية والداخلية الدعائم الشاقولية للمبنى، وهي دائماً ما تكون جدران حاملة للأوزان
حيث إنها تحمل جوائز الأرضية، بالإضافة إلى عوارض السقف أو الجمالونات الموجودة فوقها.
في المباني المكونة من الخرسانة المسلحة (RC) والمباني ذات الإطارات الفولاذية، تكون الأعمدة هي العناصر الرأسية الأساسية، حيث تقوم بنقل الأحمال من الألواح والعوارض إلى الأساسات.
تعتبر الأعمدة بالغة الأهمية للهيكل، حيث قد يؤدي فشل أحد الأعمدة إلى الانهيار التدريجي للمبنى.
الأساسات
أساس المبنى، المصنوع من الخرسانة المسلحة، لديه قوة الضغط اللازمة لتحمل أحمال الجاذبية المؤثرة على الهيكل بأكمله، ولتوفير الاستقرار، يجب أن يرتكز الأساس نفسه على تربة مستقرة.
عندما تكون ظروف التربة سيئة، يصمم المهندسون أسساً بأنظمة مختلفة يمكن أن تصل إلى القاعدة الصخرية، مثل الركائز أو الدعائم.
توفر هذه الأساسات العميقة أيضاً الاستقرار للمباني الثقيلة بشكل استثنائي والمنازل التي تقع في مناطق التلال والتربة الشاسعة.
الأحمال البيئية
تحدث الأحمال البيئية بسبب قوى الطبيعة، وهي على عكس الأحمال الحية الأخرى، لا تتأثر دائماً بالجاذبية، ولا يكون اتجاهها عمودياً بشكل ثابت.
تشمل الأحمال البيئية الحركات الزلزالية ووزن الثلج وضغط الرياح، بالإضافة إلى التمدد والانكماش الناجم عن التغيرات في درجات الحرارة.
أحمال الزلازل
عندما يهز زلزال الأرض الواقعة تحت مبنىً ما، يتم فرض الأحمال أفقياً على مستويات الإزاحة، لأن هيكل مقاومة الجاذبية للمبنى يعتبر غير قادر على مقاومة هذه الأحمال الجانبية بدون دعامات كافية.
تعد جدران القص والإطارات من الأمثلة على آليات التقوية التي غالباً ما تستخدم لتوفير تعزيز جانبي للهياكل، وبالتالي تعزيز سلامتها الزلزالية، كما أنه إلى جانب وجود تعزيزات جانبية
يجب تثبيت المباني في المناطق النشطة زلزالياً بشكل آمن على أسسها، لأن هذا الإجراء البسيط يمنعهم من الانزلاق عن الأساسات تبعاً لتحركات الأرض.
كما يجب تعزيز عناصر البناء في المباني التي يتم تشييدها باستخدام مواد البناء، مثل الطوب أو الكتل الخرسانية.
أما المباني غير المدعمة (UMB)، والتي تشكل جزءاً كبيراً من منازل ما قبل الحرب والمباني التراثية في كاليفورنيا، فهي معرضة بشكل خاص للتلف والدمار الناتج عن الزلزال.
يعتبر الملاط أيضاً، والذي يربط وحدات البناء معاً، ليس قوياً بما يكفي لمقاومة الأحمال الجانبية، فقد أظهرت الزلازل السابقة أن UMBs معرضة للانهيار عندما تبدأ الأرض في الاهتزاز
في حين أن الحطام الذي يتناثر غالباً ما يتسبب في الوفاة والإصابات وإلحاق الأضرار بالمباني المجاورة.
وقد تم تحديث معظم UMBs في كاليفورنيا، بفضل جهود الحكومات المحلية لاعتماد تدابير استباقية في تقليل الدمار الناتج عن الزلازل.
أحمال الثلوج
يشكل تراكم الثلوج عبئاً على هيكل السقف، ولمنع انهياره، يجب أن يكون هيكله قوياً بما يكفي لتحمل وزن الجليد، لذا يتم في الحسابات الهندسية حساب أحمال الثلج على أساس المتوسطات التاريخية.
من العوامل التصميمية المهمة في إدارة أحمال الثلوج أيضاً هو شكل السقف، فكلما كان السقف مسطحاً، زاد تراكم الثلج عليه، لذلك، تساعد الأسطح شديدة الانحدار في الحفاظ على انزلاق الثلج والحد من تراكمه
وبالتالي يتم تجنيب الهيكل الأحمال الإضافية. ومع ذلك، فإن الأسطح شديدة الانحدار تأتي عادةً بأحمال ميتة أكبر تتطلب عناصر نقل حمولة أقوى.
أحمال الرياح
يمكن لقوى الرياح أن تخلق العديد من السيناريوهات الصعبة لنقل الأحمال، خاصة بالنسبة للمباني الشاهقة، حيث يكون الجانب المواجه للريح من المبنى عرضة لضغط الرياح المرتفع، بينما يواجه الجانب الآخر قوى الشد.
نظراً لأن هذه الأحمال أفقية، لا يمكن اعتبار هيكل مقاومة الجاذبية للمبنى هو آلية مناسبة للتكيف مع هذه الأحمال، لذلك، يجب وضع عناصر المقاومة الجانبية في الهيكل لإدارة أحمال الرياح الأفقية.
تعتبر ظاهرة النفق الدوامي مشكلة أخرى تعاني منها المباني الشاهقة، فعندما تولد الرياح قوى شد على جانب واحد من المبنى أثناء الضغط على جانب آخر، يهتز المبنى وتبدأ طوابقه العليا في التأرجح
ولمواجهة هذه الحركة يقوم المهندسون بإضافة وزن إلى الجزء العلوي من الهيكل، أو إنشاء فتحات لتهب الرياح من خلالها.
الأحمال الحرارية
تتفاعل معظم مواد البناء مع تغيرات درجات الحرارة فتتمدد عند ارتفاعها وتنكمش عند انخفاضها.
وتفرض حركات التمدد والانكماش المتكررة هذه أحمالاً على هيكل المبنى قد تسبب تدهور بعض العناصر، على سبيل المثال، قد تتصدع الخرسانة عند تكرار تغير الأحمال الحرارية عليها بمرور الوقت.
لمعالجة آثار الحركة الناتجة عن التمدد والانكماش، يقوم المهندسون بوضع وصلات وفواصل التمدد في هيكل المبنى، بحيث تضيف هذه العناصر المرونة إلى الهيكل الصلب، وبالتالي تمنع التشققات والتدهور.
ما الذي يمكن أن يفعله المهندسون من أجلك
يلعب المهندسون دوراً حاسماً في البناء، فهم يعرفون كيفية جعل المباني ثابتة وقائمة، ويقومون بتصميم الهياكل لتعمل على تحمل أحمال الجاذبية ومقاومة قوى الطبيعة.
لذلك، في معظم مشاريع البناء، يقوم مسؤولو البناء بمراجعة خطط المهندسين وحساباتهم قبل السماح للمقاولين ببدء العمل.
- إعداد: المهندسة رهف محمود
- تدقيق: المهندسة كارمن الصالح
- تحرير: المهندس بشار الحجي