Open Hours of Mon - fri: 8am - 6pm, UAE
النووية

ما هي محطة الطاقة النووية العائمة وهل تمثل حل هندسي مبتكر لمشاكل الطاقة أم أنها خطر كبير على البشرية ؟

لطالما أثارت الطّاقة النّوويّة الجدلَ لعقود عديدة، وكان لمحطات الطّاقة النّوويّة العائمة النّصيب الكبير من الاحتجاجات، هذه المحطات مصممة لتطفو في البحر أو في الممرات المائيّة القريبة للمدن الصّغيرة في الأماكن الّتي يصعبُ الوصول إليها.

بدأت المفاعلات النّوويّة العائمة تشهدُ اهتماماً كبيراً في الاتحاد الرّوسي، وكذلك مناطق شمال أوروبا، إذ تعتبرها مصادر طاقة رئيسيّة للتنمية المستقبليّة في القطب الشّمالي

حيث يستمرُ تغير المناخ في إذابة جليد البحار والأنهار الجليديّة في خطوط العرض الشّماليّة.

يتواجد تحت تلك الأنهار الجليديّة الذّائبة ثروات من الموارد الطّبيعيّة الّتي لم يرها البشر قط.. ولكن المشكلة تكمن في أنه كيف نبني البنية التّحتية اللازمة لاستثمار هذه الموارد!!

وهنا يأتي دور محطات الطّاقة النّوويّة العائمة.

Seaborg Technologies design for floating nuclear power plants. Source: Seaborg Technologies/Facebook

  كيف نبني مفاعلاً نوويّاً عائماً؟

 قام المهندسون النّوويون بتحميل المفاعل النّووي على أوّل محطة للطاقة النّوويّة العائمة ” Akademik Lomonosov “التابعة لشركة “Rosenergoatom”.

إنّ تركيب المفاعل النّووي العائم ليس بسيطاً، إذ يجبُ بناء سفن خاصة لاحتواء المفاعلات، لكن فكرة وجود مفاعل نووي على متن قارب ليست مفهوماً جديداً.

إذ أنّ الغواصات العسكرية وكاسحات الجليد في القطب الشّمالي تزود بالمفاعلات النّوويّة، لذا فإنّ الفكرة لا تدور حول إضافة مفاعل نووي إلى السّفينة، بل تدورُ حول جعل المفاعل النّووي هو الهدف الكامل للسفينة.

يتطلبُ هذا خيارات تصميم مختلفة لاستيعاب معدات الأمان، وكذلك المفاعلات النّووية نفسها.

كما أنّ العنصر الأكثر أهمية هو جعلها في مأمن من التّغيرات المناخيّة الشّديدة أو موجات المد “تسونامي” الّتي يمكن أن تغرقَ السّفينة أو تتلفها وتطلقُ الدّقائق أو النّفايات المشعة.

 وهذا ما حدثَ في تشيرنوبيل – أوكرانيا عام 1986، ومؤخراً في فوكوشيما، اليابان، عندما أدى تسونامي ارتفاعه 49 قدما (15 متر ) عام 2011 إلى تعطيل إمدادات الطّاقة ومبرد المفاعل لثلاثة من محطات فوكوشيما دايشي للطاقة النّوويّة، وكانت هذه المفاعلات أرضية.

 وهنا تُطرحُ تساؤلات مهمة ومفتوحة، مثل:

 كيف تتعاملُ السّفينة مع هذه التّحديات وغيرها ،كتخزين قضبان الوقود النّووي المستهلك عالي النّشاط الإشعاعي الّتي يستخدمها المفاعل؟

 تعدّ محطة Akademik Lomonosov  أوّل محطة للطاقة النّوويّة العائمة في روسيا، فقد تمّ الانتهاء منها  عام 2018، وهي شكل من أشكال مفاعل الماء المضغوط الّذي يولدُ مياها ساخنة عالية الضّغط، تحول طاقتها الحراريّة إلى مياه ذات ضغط منخفض في نظام ثانوي يولدُ البخار أيضاً.

 وعلى غرار المفاعلات النّوويّة على السّفن، تعدّ قضية النّفايات المشعة تحدياً كبيراً، لأنها على شكل سائل مشع.

وكمفاعل مائي مضغوط، هناك أيضاً مشكلة احتمال وقوع حادث يؤدي إلى تشتت المواد المشعة المتفجرة في الغلاف الجويّ.

تعتقدُ شركة Seaborg Technologies الدّنماركية أنّ الحل لهذا هو استخدام مفاعل الملح المصهور في تصميم مفاعلها النّووي العائم

حيث تشكلُ أملاح الفلوريد الممزوجة بالوقود النّووي سائلاً درجة حرارته أعلى من 932 فهرنهايت (500 درجة مئوية)، ما يجعلها تتدفقُ داخل وخارج المفاعل.

على عكس مفاعلات الماء المضغوط، فإذا تمّ اختراق حجرة المفاعل بطريقة ما (نتيجة كارثة طبيعية)، فإنّ الملح المصهور لا ينفجرُ بقوة.

وعند تعرضه للهواء، يتصلبُ متحولاً إلى صخر، مثل الحمم البركانية، التي لا تحتوي فقط على المواد المشعة، بل إن التّخلص منها أسهل بكثير.

على الرّغم من ذلك، تشملُ مفاعلات الملح المصهور تحديات خاصة بها، ومنها خاصة التّآكل.

تشتهرُ الأملاح السّاخنة بالتّآكل الشّديد في البيئات البحريّة مثل التّوربينات الّتي تعملُ بالغاز على متن السّفن، لذا فإنّ بناء مفاعل نووي معها سيتطلبُ درعاً خاصاً يمكنه تحمل نوع التّآكل الّذي لا يتحمله حتى الفولاذ المقاوم للصدأ.

ما الهدف من وجود مفاعل نووي عائم؟

في المقام الأوّل، يتمّ استخدام مفاعل نووي عائم لتوفير طاقة كبيرة للاستخدام الصّناعي والسّكني في المواقع النّائية.

على سبيل المثال ، يتمّ استخدام محطة Akademik Lomonosov لتزويد مدينة Pevek في شمال روسيا بالطاقة، فضلاً عن تشغيل محطة لتحلية المياه في المنطقة.

كما وافقت روسيا على خمس محطات طاقة نووية عائمة إضافية للعمل على طول ساحلها الشّمالي في القطب الشّمالي.

وستوفر محطات الطّاقة هذه،  بالإضافة إلى توفير الكهرباء لبعض المجتمعات الأكثر عزلة في روسيا، الطّاقة اللازمة لدفع التّنمية شمالاً إلى مناطق القطب الشّمالي غير الملوثة المعرضة لخطر انحسار جليد البحار والأنهار الجليديّة.

خارج روسيا، يمكن استخدام مفاعل نووي عائم للمساعدة في توفير الطّاقة لمناطق العالم حيث تكون الكهرباء شحيحة أو غير موجودة ، وكذلك المساعدة في تشغيل المناطق المنكوبة نتيجة الكوارث.

لقد شغّلت الولايات المتحدة محطة طاقة نوويّة عائمة في قناة بنما في السّتينيات وأوائل السّبعينيات، على الرّغم من أن ذلك لم يكن بنفس الطّموح الّذي اقترحه آخرون، مثل Seaborg Technologies و Rosenergoatom الرّوسية.

وتأملُ Seaborg Technologies في نهاية المطاف إنتاج المئات من محطات الطّاقة النّوويّة العائمة كلّ عام، مدعية أنّ هذه المفاعلات ستعادل، كحد أدنى، 33 600 000 طن من ثاني أكسيد الكربون، على مدى عمر المفاعل عند مقارنتها بمحطة فحم مماثلة بالحجم.

قالَ Troels Schönfeldt (المؤسسُ والرّئيس التّنفيذي لشركة Seaborg):

“يحتاجُ العالم إلى الطّاقة، لكننا نحتاجُ أيضاً إلى إزالة الكربون، ومن خلال منتج تنافسي للغاية، وباستخدام الطّاقة الإنتاجيّة الحالية، يمكننا نشر مئات المفاعلات كلّ عام،  ونحن مستعدون للتأثير العالمي”.

ما هي حدود المفاعلات النّوويّة العائمة؟

نلاحظ أنّ المفاعلات النّوويّة العائمة لا يمكن استخدامها إلا عندما يكون هناك  ماء كاف لتطفو، إمّا في المحيط المفتوح أو في الممرات المائيّة الواسعة مثل الأنهار الكبيرة.

فإذا كانت المناطق الدّاخلية الأكثر عزلة غير متصلة بنفس شبكة الطّاقة للمنطقة السّاحلية، والّتي تتصلُ بها محطة طاقة نووية عائمة، فلن يكون ذلك مفيداً لها كثيراً.

سيكون هذا محبطاً بشكل خاص إذا كان الغرض من محطة الطّاقة النّوويّة العائمة هو توفير الطّاقة للمنطقة المنكوبة

حيث يجبُ توقع حدوث اضطرابات في شبكة الطّاقة – إن كان هناك شبكة محلية موجودة.

لقد دمرَ إعصار ماريا عام 2017 أراضي بورتوريكو الأمريكيّة، مما أدى إلى انقطاع التّيار الكهربائي لعدة أشهر في بعض مناطق الجزيرة

لم تكن المشكلة هنا هي أن محطة للطاقة قد توقفت عن العمل طوال هذا الوقت، ولكن كانت أنّ الإعصار قد هدّمَ خطوط الكهرباء في جميع أنحاء الجزيرة.

وقد تمت استعادة التّيار لجميع سكان بورتوريكو في آذار عام 2019 ، أيّ بعد عامين تقريباً من تعرض الجزيرة للإعصار.

 لذا.. فإنّ هذا النّوع من تحديات البنية التّحتية ليس شيئاً يمكن أن تصلحه محطة طاقة نووية عائمة، كما أن فائدتها في مناطق الكوارث الأخرى ستكون محدودة كذلك.

 ما هي المخاطر المترتبة على محطة الطّاقة النّوويّة العائمة؟

 تعدّ المخاطر أكبر مشكلة تلوح في أفق تلك المحطات على غرار مثيلاتها من محطات الطّاقة الذّريّة الأخرى.

يسارعُ أنصار الطّاقة النّوويّة إلى الإشارة أنّ الطّاقة النّوويّة تتمتعُ بالفعل بسجل أمان رائع، مع الأخذ بعين الاعتبار عدد محطات الطّاقة النّوويّة الموجودة في الخدمة حول العالم.

لا يوجد حالياً إلا 443 مفاعلاً نووياً قيد التّشغيل حول العالم، لذا عند تقييم مخاطر وقوع حادث نووي، علينا التّفكير في حجم مجموعة العينات الّتي لدينا.

 وقد تمّ إيقاف تشغيل 190 محطة للطاقة النّوويّة في جميع أنحاء العالم ابتداء من نيسان عام 2021، ويبلغُ إجمالي عدد محطات الطّاقة النّوويّة التّجارية الّتي تعملُ حالياً حوالي 449 محطة.

 هناك عدد من الحوادث النّووية البارزة، منها: كارثة كيشتم عام 1957، جزيرة ثري مايل، تشيرنوبيل، وفوكوشيما.

 وقد حللَ الباحثون -بعد كارثة فوكوشيما- جميع حوادث ذوبان النّواة السّابقة، وقدّروا معدل الفشل بواحد لكلّ 3704 من سنوات التّشغيل للمفاعل

كما أشارت النّتائج إلى احتمال وقوع حوادث نووية أكثر خطورة مما كان متوقعاً.

صرّح الخبير النّووي بجامعة برينستون، هارولد أ.فايفسون:

“”حتّى لو كانت فرصة وقوع حادث خطير – على سبيل المثال – واحداً في المليون لكلّ مفاعل سنوياً

فإنّ القدرة النّوويّة المستقبلية البالغة 1000 مفاعل في جميع أنحاء العالم ستواجهُ فرصة بنسبة 1 في المئة لوقوع مثل هذا الحادث كلّ فترة 10 سنوات

قد تكون منخفضة ربما، لكنها ليست مهملة بالنظر إلى العواقب”.

كما وأشار مجموعة النّشطاء البيئيين Greenpeace إلى أنّ وقوع حادث نووي في القطب الشّمالي من محطة طاقة نووية عائمة قد يكون كارثياً.

 وفي رد على اكتمال بناءAkademik Lomonosov عام 2018، قالَ جان هافركامب  (الخبير النّووي في منظمة Greenpeace لأوروبا الوسطى والشّرقية):

“ستمثل المفاعلات النّوويّة الّتي تهتز في المحيط المتجمد الشّمالي خطراً واضحاً على البيئة الهشة، والّتي ترزح مسبقاً تحت ضغوطات تغير المناخ”.

 وصرّحَ نائب مدير Rosenergoatom، سيرجي زافيلوف، لـ BBC  عام 2010:

“إنّ هذه المحطات العائمة لديها إمكانات جيدة للغاية، فلا بدّ من تهيئة الظّروف لاستكشاف الجرف القطبي الشّمالي وإنشاء منصات حفر لاستخراج النّفط والغاز

فالعمل في القطب الشّمالي  أمر معقد وخطير للغاية ويجبُ أن نضمن وجود مصدر موثوق للطاقة”.

وأضافَ زافيلوف: “يمكننا أن نضمن سلامة وحداتنا مئة بالمئة، مستبعدين جميع المخاطر”.

بالنسبة للأحداث المناخية الشّديدة وأمواج تسونامي، يصرّ مؤيدو محطات الطّاقة النّوويّة العائمة على أنّ هذه السّفن ستصمدُ أمام هذه الأحداث

ولكن لم يتمّ إثبات ذلك بعد، فلا يبدو على الإطلاق أنهم قادرون على ضمان ذلك، على الأقل ليس تلك الّتي أنتجت بالفعل.

ويقول هافركامب من Greenpeace:

“عادة ما يتمّ استخدام محطات الطّاقة النّوويّة العائمة بالقرب من السّواحل والمياه الضّحلة.. وعلى عكس الادعاءات المتعلقة بالسّلامة

فإنّ الهيكل المسطح لقاع لـ Akademik Lomonosov ونقص الدّفع الذّاتي يجعلها عرضة بشكل خاص لأمواج تسونامي والأعاصير”.

 لا ننسى أنّ الأعاصير وأمواج تسونامي في البحار المفتوحة يمكن أن تكون خطيرة، لكنها أقلّ بكثير من تلك الموجودة على طول السّواحل

حيث تتدفقُ المياه المزاحة إلى المناطق السّاحلية الّتي غالباً ما تكون مأهولة بالسكان، مما يؤدي إلى عواصف هائلة.

وبذلك ستكون أيّ محطة طاقة نووية عائمة عرضة لهذه القوى مثل أيّ سفينة كبيرة أخرى على طول السّاحل.

 في حين أنّ هذا قد لا يكون مصدر قلق كبير في شمال روسيا، فقد أعربت عدة دول في إفريقيا وأمريكا الجنوبية وآسيا عن اهتمامها بمحطات الطّاقة النّوويّة العائمة في الماضي

ومن المرجح أن يزداد الاهتمام فقط مع بدء روسيا ودول أخرى في إنتاجها بكميات كبيرة.

تترافقُ المسارعة لاستغلال موارد القطب الشّمالي مع ارتفاع درجات الحرارة في العقود القادمة، فإنّ تشغيل عمليات الحفر والتّعدين، وتوفير الكهرباء والمياه النّظيفة لمن يعملون فيها

سيكون أولوية متزايدة لتلك الدّول الّتي لديها مطالبات على موارد القطب الشّمالي.

 ونظراً لأن مياه الشّرب أصبحت أكثر ندرة في الجنوب، فإنّ محطات تحلية المياه ستكون ضرورية للحفاظ على عدد لا يمكن تقديره من النّاس على قيد الحياة

وحتّى مع مخاطر الحوادث النّووية، فإنّ مخاطر الموت من العطش ستكون أكثر إلحاحاً. قد تكون محطات الطّاقة النّوويّة العائمة ذات الإنتاج الضّخم هي موجة المستقبل، سواء أحببنا ذلك أم لا!!

  • إعداد: المهندسة مريم القاسم
  • تدقيق: المهندسة أسماء حمود
  • تحرير: المهندس بشار الحجي