باحثون في جامعة Oregon State يحققون إنجازات متقدّمة مع نوعٍ جديد من أجهزة الاستشعارِ البصريّة
والّتي تُحاكي عن كثب قدرةَ العين البشريّة على إدراك التّغيرات ضمنَ مجالِها المرئيّ.
تأتي أهمية هذا المستشعر من كونه يحققُ تقدّماً مفاجئاً ضمنَ عدة مجالات، مثل: التّعرف على الصّور، الرّوبوتات، والذّكاء الاصطناعيّ.
كيف تمكن المهندسون يبتكرون حسَّاس بصريّ يحاكي العين البشريّة؟
قالَ John Labram (الأستاذُ المساعدُ في الهندسة الكهربائيّة وعلوم الكمبيوتر):
“إنّ المحاولاتِ السّابقة لإنشاء جهاز يماثلُ عينَ الإنسانِ؛ أثمرتْ عن جهازٍ يُدعى (المستشعرُ الشّبكيّ)، والّذي اعتمد على برامجٍ وأجهزة معقدة”.
أمّا بالنسبة للمستشعر الجديد، فإنّ تشغيلهُ يعتمدُ بشكلٍ أساسيّ على تصميمهِ، ويكونُ ذلك باستخدام طبقات فائقة الرّقة من أشباهِ موصلات البيروفسكايت (والّتي تمّت دراستُها على نطاقٍ واسعٍ في السّنواتِ الأخيرة نظراً لإمكانياتها في الطّاقة الشّمسيةِ)
حيثُ تتغيرُ من عوازل كهربائيّة قوية إلى موصلات قوية عند وضعها في الضّوء.
وأضافَ Labram: “يمكن أن يكونَ مطابقاً تماماً لأجهزة الكمبيوتر العصبيّة والّتي ستعملُ على تشغيل الجيل التّالي من الذّكاء الاصطناعيّ في تطبيقاتٍ مثل السّيارات ذاتيّة القيادة والرّوبوتات والتّعرّف المتقدّم على الصّور”.
وعلى عكس أجهزة الكمبيوتر التّقليديّة الّتي تعالجُ المعلوماتَ بشكل تسلسليّ كسلسلة من التّعليمات
تمّ تصميمُ أجهزة الكمبيوتر ذات الأشكال العصبيّة لمحاكاة الشّبكات المشابهة لها بشكل كبير في الدّماغِ البشريّ.
وأكملَ Labram: “لقد حاول الناسُ تكرار هذا في الأجهزة وحققوا نجاحاً معقولاً.. ومع ذلك، وعلى الرّغم من أنّ الخوارزميات والبنية الهندسيّة المصمّمَة لمعالجة المعلومات أصبحت تشبهُ إلى حدّ كبير دماغ بشريّ
إلّا أنّ المعلومات الّتي تتلقاها هذه الأنظمة لاتزالُ مصممة لأجهزة الكمبيوتر التّقليديّة”.
وبعبارة أخرى: “للوصول إلى إمكانياته الكاملة، يحتاجُ الكمبيوترُ الّذي يفكرُ مثل الدّماغ البشريّ إلى مستشعر صورة – يرى – مثل العين البشريّة”.
نعلمُ أنّ العينَ هي عضوٌ معقدٌ بشكل مذهل، إذ تحتوي على حوالي 100 مليون مستقبل ضوئيّ.
ومع ذلك، فإنّ العصبَ البصريّ لديهِ فقط مليون اتصال بالدّماغِ، وهذا يعني أنّ قدراً كبيراً من المعالجة المسبقة والضّغط الدّيناميكيّ يجبُ أن يحدثَ في شبكيّة العين قبلَ أن يتمّ نقل الصّورة.
ما هي دقة الحساس البصري المبتكر؟
أكّدَ Labram بأنّ إحساسَنا بالرّؤية يتكيّفُ جيداً وبشكل خاص لاكتشاف الأجسام المتحركة، وهو أقلّ اهتمام نسبياً بالصّور الثّابتة.
ووفقاً لذلك، فإنّ داراتنا الضّوئيّة تعطي الأولوية للإشاراتِ الواصلة إليها من المستقبلات الضّوئيّة الّتي تكتشفُ تغيراً في شدةِ الضّوءِ
ويمكنُ للشخص إثبات ذلك بنفسه وذلك بالتّحديق في نقطة ثابتة حتّى تبدأ الأشياء في رؤيته المحيطيّة بالاختفاء، وتعرفُ هذه الظّاهرة باسم “تأثير تروكسلر”.
وأضافَ: “إنّ تقنيات الاستشعار التّقليديّة، مثل الرّقائق الموجودة في الكاميرات الرّقميّة والهواتف الذّكية، تكونُ مناسبةً بشكل أفضل للمعالجة المتسلسلة
حيثُ يتمّ مسح الصّور ضوئياً عبر مصفوفة ثنائيّة الأبعاد من الحساسات، بكسل تلو بكسل، وبتردد محدد”.
يولِّدُ كلّ حساس إشارةً بسعة تختلفُ بشكل مباشر مع شدّة الضّوء الّذي يستقبلهُ
مما يعني أنّ الصّورة الثّابتة ستؤدي إلى جهد خرجٍ ثابت إلى حدّ ما من المستشعر.
وعلى النّقيض من ذلك، يظلّ المستشعرُ الشّبكيّ هادئاً نسبياً في ظلّ الظّروف الثّابتة
وما أن يشعرَ بتغيير في الإضاءة حتى يسجلُ إشارة قصيرة وحادة، ولكن سرعان ما يعودُ إلى حالته الأساسيّة.
ويُعزى هذا السّلوك إلى الخصائص الكهروضوئيّة الفريدة الّتي تتمتعُ بها فئة من أشباه الموصلات تُعرَفُ باسم “البيروفسكايت”، والّتي أثبتت وجودَها كمواد خلايا شمسيّة من الجيل التّالي وهي أيضاً منخفضة التّكلفة.
أمّا بالنسبة لمستشعر Labram الشّبكيّ، فإنّ الأمرَ يتمّ بتطبيق البيروفسكايت في طبقات شديدة الرّقة وبسماكة تصلُ إلى بضعِ مئات من النّانومترات
ويعملُ هذا المستشعرُ بشكل أساسيّ كمكثف يُغيّرُ سعتَهُ تحتَ الإضاءة، ويُخزّنُ الطّاقةَ في مجال كهربائيّ.
وفيما يتعلقُ بذلك، يقولُ Labram: “الطّريقةُ التّي نختبرُها هي في الأساس أن نتركَ الحساس في الظّلام لثانية واحدة
ثمّ نضيءُ الأنوارَ ونتركها مضاءة، وبمجرد أن يضيءَ الضّوءُ؛ يحصلُ هذا الارتفاع الكبير في الجهد
ثمّ ينخفضُ هذا الجهد بسرعة على الرّغم من أنّ شدة الضّوء لاتزال ثابتة، وهذا بالضبط ما نريدهُ”.
التطبيقات العملية التي قام بها المهندسون
على الرّغمِ من أنّ مختبرَ لابرام حالياً يمكنُهُ اختبار مستشعر واحد فقط في كلّ مرة
فقد قامَ فريقُه بقياس عدد من الأجهزة وطوّرَ نموذجاً رقميّاً لتكرار سلوكها، وبالنّتيجة وصلَ الفريقُ إلى ما يعتبرُهُ Labram ” تطابقاً جيداً” بين النّظريّة والتّجربة.
وبهذا العمل تمكّن الفريقُ من محاكاة مصفوفة المستشعرات الشّبكيّة، للتنبؤ بكيفية استجابة كاميرا الفيديو الشّبكيّة لمحفزات الإدخال.
وبناء على ذلك، قال Labram: “يمكننا تحويل الفيديو إلى مجموعة من شدّةِ الضّوء ثمّ نضعُ ذلك في محاكاتِنا
والمناطقُ الّتي يتمّ فيها توقع ناتجِ جهد أعلى من جهاز الاستشعار تضيءُ، بينما تظلّ مناطق الجهد المنخفضِ مظلمة..
فإذا كانت الكاميرا ثابتة نسبياً، يمكنك أن ترى بوضوحٍ أنّ جميعَ الأشياء الّتي تتحركُ تستجيبُ بقوةٍ
ويظلُ هذا صحيحاً إلى حدّ ما في نموذج الاستشعار البصريّ عند الثّدييات”.
ولتوضيحِ ما سبق:
تظهرُ محاكاةٌ باستخدام لقطات من تمرين لعبة البيسبول النّتائجَ المتوقعةَ
حيثُ يظهرُ اللاعبون في الملعب كأجسام متحركة واضحة للعيان، بينما الأشياء الثّابتة نسبياً- قبضةُ البيسبول، المدرجاتُ، حتى لاعبو الكرة- تتلاشى في الظّلام.
كما تظهرُ محاكاةٌ أخرى أكتر لفتاً للنظر طائراً يطيرُ في مرمى البصر، ثمّ يختفي تماماً حيثُ يتوقفُ في مكان غير مرئيّ ليتغذى على شيء ما، ثمّ يظهرُ من جديدٍ عند إقلاعِه..
ما نريدُ قوله أنّ الطّيور تصبحُ مرئيةً فقط عندما تتأرجحُ وتبدأ في التّحرك.
وأخيراً، قالَ Labram: “الشّيءُ الجيدُ هو أنّهُ باستخدام هذه المحاكاة يمكننا إدخال أيّ فيديو في إحدى هذه المصفوفات ومعالجة هذه المعلومات بشكلٍ أساسيّ بنفس الطّريقة الّتي تعملُ بها العينُ البشريّة
وعلى سبيل المثال، يمكنك تخيلُ استخدام هذه المستشعرات بواسطة روبوت يتتبعُ حركةَ الأجسامِ
وأيُّ شيء ثابت في مجالِ رؤيته لن يؤدي إلى استجابة، ومع ذلك فإنّ الجسمَ المتحرك سيسجلُ جهداً عالياً
وهذا من شأنه أن يخبرَ الرّوبوت على الفور عن مكان تواجد هذا الكائن ومن دون أيّ معالجة معقدة للصور”.
مصدر المقال : اضغط هنا
- إعداد : المهندسة سهى عبدو
- متابعة : المهندسة سوار ناصر
- تدقيق : المهندسة أسماء حمود
- تحرير : المهندس بشار الحجي